إن سيادة عصر الخوارزميات (Algorithms) وتأثيرها في إعادة تشكيل الدول والمنظومة العالمية هي من أعظم المناقشات التي تسيدت عصر السرديات الفكرية الكبرى، فالذكاء الاصطناعي ليس مدرسة فلسفية يناصرها البعض ويعاديها البعض الآخر تبعاً لتوجهات آيديولوجية أو فكرية محددة
بل هو تطبيقات مؤثرة صرنا نتعامل معها يومياً -شئنا أم أبينا- وعلى أوسع نطاق، فالذكاء الاصطناعي هو – قبل كل شيء- مبحث علمي تقني سيتحتم استخدامه بأوسع نطاق في جميع القطاعات وأصبح سلطة مؤثرة في تخليق أكبر الثروات في عالمنا المعاصر.
تقنية 5G
من المعلوم أن الثورة الصناعية الرابعة وتقنية 5G أفرزت تحديات تقنية وقانونية شارك في تسارعها ظهور وباء كورونا والتطور المستمر للتقنية الرقمية، جعلت الدول والمنظمات الاقليمية والدولية تحت ضغوطات كبيرة لمواكبة المستجدات التكنولوجية من أجل البقاء في ساحة الانتاج الفعال لكل ما يفيد مجتمعاتها ويحقق أهدافها وينفذ مهامها وفق متطلبات العصر الرقمي
وسعت الدول وهذه المنظمات للتعلّم وتطبيق ما أمكن من أدوات تقنية بهدف تطوير ورفع جودة الأداء وزيادة معيار الانتاجية لديها.
إلا أن تغيير القوالب التقليدية لإدارة أعمال الدول وعملياتها التشغيلية أمر يتطلب إعادة هيكلة مفاصل الدولة والمنظومة الاقتصادية والاجتماعية فيها، لذلك أصبح “التحوّل الرقمي” عملية تحدي وجودي كبير للبقاء والانتاج والتنمية المستدامه ويمثل في ذات الوقت فرصة ذهبية لتطوير أركان الدولة بمنظوماتها التشريعية والتنفيذية والقضائية.
التحول الرقمي
علينا أن ندرك، أن التحول الرقمي أشمل وأعمق من مجرد استخدام موظفي الدولة للحاسب الآلي وبعض التطبيقات البسيطة في أعمالهم اليومية، فاستخدام الدولة للتقنية في إدارة أعمالها وخدماتها وأنشطتها وفي معالجة وتحليل بياناتها وفي التواصل بين أفرادها (كل من الإداريين والموظفين) وفي أداء تعاملاتها الكترونيا بشكل كامل
يحتاج إلى ثورة تنظيمية وقانونية تستوعب الجديد وأن يتم ذلك في بيئة تقنية ورقمية آمنة مستندة إلى قواعد بيانات محمية، ومن هنا كانت البحرين من أوائل الدول التي قامت بإعداد قانون حماية البيانات الشخصية لمعالجة فعالة وآمنة للبيانات وقد تم تصميم هذا القانون ليكون بمثابة عامل تمكين رئيسي للتقدم والنمو المستقبلي لاقتصاد البحرين الرقمي.
ومن هنا، فان امتلاك متخذي القرار في الدولة للمعرفة الواعية للأهمية المزدوجة للتحول الرقمي ومساهمته الأكيدة في تنفيذ مهام الدولة وتحقيق أهدافها، عنصر أساسي لرسم استراتيجية واعية لبناء “الدولة الرقمية” لمستقبل الخمسين عام القادمة
فان عملية التحول الرقمي يتطلب أن تدخل في صلب استراتيجيات نظام الدولة بسلطاتها الثلاث وتهيئة البنى التحتية اللازمة لها من موارد فنية وتقنية وبشرية ومالية وتشريعية، فهذا التحدي الوجودي أصبح مرتبطا وجودا وعدما ببقاء الدولة السيادي ومصالحها الوطنية والقومية.
التطورات التكنولوجية في البحرين
البحرين تعتبر إحدى الدول الرائدة التي أدركت أهمية توظيف التطورات التكنولوجية من أجل خدمة مكونات المجتمع من مواطنين ومقيمين وأصحاب الأعمال والشركات.
فإعداد البحرين كدولة رقمية طموح يتطلب تحقيقه تشيكل وزارات رقمية، عن طريق إعادة هيكلة السلطات الثلاث وآليات العمل فيها وايجاد منظومة تشريعية متكاملة جديدة للتكيف مع القيم المستحدثة
وقد اتخذت الحكومة خطوات بارزة لضمان تعزيز التحول الرقمي في القطاع العام والتركيز على الأساليب والتوجهات التشغيلية المرتكزة على تطوير الخدمات.
ويعتبر التحول الرقمي بمملكة البحرين أحد أبرز المبادرات الرئيسية لتوجيهات جلالة الملك المفدى حيث دعا إلى تبني الاقتصاد الرقمي في كل مفاصل الإدارة والمجتمع البحريني، ودعوته الحكومة لوضع خطة وطنية شاملة تؤمن الاستعداد الكامل للتعامل مع متطلبات الدولة الرقمية، بتبني وتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في القطاعات المختلفة بالدولة ووضع الأنظمة والتشريعات اللازمة لها، وأكدت على ذلك اللجنة العليا لتقنية المعلومات والاتصالات برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، نائب رئيس مجلس الوزراء.
د. محمدرضا منصور بوحسين
محامي ومحكم دولي
تابع المحامي د. محمدرضا منصور بوحسين على شبكات التواصل الاجتماعي أو الموقع الألكتروني
