مملكة البحرين بمختلف الحقب التاريخية، كانت تمثل مركزا تجاريا واقتصاديا وماليا وعلميا سطرته كتب التاريخ وليس مراكز التسويق والاعلام، وتمتلك اليوم سجلًا حافلًا كدولة رائدة في تبني ورعاية التقنيات الإبداعية والتشريعات الملائمة للأعمال على المستوى الإقليمي وذلك سعيًا منها لدعم تطور الاقتصاد الرقمي
بداية تطور العصر الرقمي في البحرين
ففي عام 1962 أصبحت المملكة أول بلد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يقوم بتثبيت حاسوب رئيسي، كما قامت بعام 1969 بإنشاء أول محطة فضائية، وفي عام 2004 ألغت المملكة القيود المفروضة على السوق وقادت دول الخليج العربي، وبعام 2006 أطلقت أول بطاقات ذكية في الشرق الأوسط، تبع ذلك طرح الخدمات اللاسلكية وخدمات البرودباند المتنقل 3 G و3.5 G
وبحلول عام 2008أطلقت البحرين أول شبكة 4 GLTE عالية السرعة على مستوى البلاد، ومنحت أول ترخيص في الشرق الأوسط لإطلاق منصة لتبادل العملات الافتراضية، ومنها “البتكوين” وأطلقت إطار تشريعي للبيئة التجريبية (SANDBOX) وقامت بتقديم قانون حماية البيانات الشخصية الذي اعتمدت في صياغته على حماية البيانات في الاتحاد الأوروبي لسنة 1995وعلى قانون حماية البيانات في المملكة المتحدة لعام 1998.
بظل الملامح النوعية للسياسة العامة التي يعمل على وضعها “رجل الألفية الثالثة” صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس الوزراء وفق متغيرات العصر والاقتصاد الرقمي، فإن رؤى وطموح ومكانة البحرين والواقع التاريخي لماضيها وحاضرها بحاجة حتمية من منظور تشريعي ودستوري لتغيير جذري لمنظومة الدولة بكياناتها المختلفة وللتشريعات وآليات العمل فيها لتواكب التطورات المتسارعة بالمنظومة الاقتصادية الدولية
وتعزز من جانب آخر مكانتها التاريخية وتعيد تموضعها كمركز اقليمي للاقتصاد العالمي في مختلف الميادين التجارية والمالية والاستثمارية والصناعية والتكنولوجية، ولعل العصر الرقمي يعطي القيادة في هذه المرحلة فرصة نوعية وفريدة لإعادة مكانة البحرين التاريخية بالمنطقة.
الحكومة الرقمية في الألفية الثالثة
فالحديث عن الحكومة الرقمية، يعني الحديث عن منظومة دولة الألفية الثالثة وما يتطلبها من هجرة القوالب التقليدية في كل القطاعات والأنظمة وتغيير شامل للتشريعات والبناء الهيكلي والتنظيمي والقانوني للسلطات الثلاث بالدولة والقطاعات المختلفة فيها وفق قواعد ومتطلبات الدولة الرقمية، وقد تعكس الرؤية الاقتصادية 2030 في بعض أجزائها المتعلقة بالتنمية المستدامة هذه الاستراتيجية
لتكون دليلا استرشاديا على كيفية بناء البنية الرقمية وإعادة صوغ مختلف القطاعات وفق منظومة رقمية وبيئة قانونية تدعم عملها ومخرجاتها ليتوافق مع الحكومة الالكترونية والاقتصاد الرقمي
تأسيس الدولة الكونية الافتراضية أو الرقمية
ومن هنا علينا أن نستفيد من هذا التحديث لتعزيز مكانة البحرين التي كسبتها عبر التاريخ لتكون مركزا ابداعيا واقتصاديا وسياسيا وتنظيميا على مستوى العالم دون مبالغة إذ تملك البحرين العديد من العناصر والمكتسبات التاريخية التي تؤهلها دون منازع أن تتفرد بالممكنات وما هو خارج المألوف، وحينما نقول ذلك نؤسسه على قواعد تاريخية وسياسية وقانونية وجيوسياسية.
خاصة، وإن السنوات القادمة ستشهد وبكل وضوح تراجع معالم ما يسمى بسيادة الدول على أراضيها وتفتت السيادة الوطنية باتجاه دول افتراضية وسيادة تتحكم بها الثورة المعلوماتية والتجمعات الرقمية أو شبكات التواصل الاجتماعي والشركات العابرة للقارات
لتكون السيادة القادمة ليس للجغرافيا السياسية بقدر ما سيكون ذلك للجغرافيا الافتراضية، وستتحول الأنظمة السياسية القادمة إلى حكومات الكترونية والأفراد إلى مؤثرين فاعلين في سيادة تلك الأنظمة سواء كانت السيادة الداخلية أو الخارجية، فيما يمكن أن يطلق عليه بنهاية السيادة الوطنية وبداية الدولة الكونية الافتراضية أو الرقمية
وتلك مسائل تتطلب وضع بنية تشريعية وبناء السلطة الهرمية بالدولة وفق قواعد وأسس تختلف من حيت النوع والكيف عن المنظومة التقليدية القائمة بما فيها مراجعة شاملة للقواعد الدستورية وهيكلة السلطات الثلاث وآلية تشغيل وإدارة الدولة واَلية إصدار التشريعات
فالدولة الرقمية تعني الوزارات الرقمية، الدبلوماسية الرقمية، السيادة الرقمية، العملة الرقمية، الميراث الرقمي، التشغيل والادارة الرقمية لمختلف القطاعات الخدمية والانتاجية والصناعية والأمنية والدفاعية.
د. محمدرضا منصور بوحسين
محامي ومحكم دولي
تابع المحامي د. محمدرضا منصور بوحسين على شبكات التواصل الاجتماعي أو الموقع الألكتروني
